بين يدي كتاب "النور في فضائل الأيام والشهور" لابن الجوزي

بين يدي كتاب

"النور في فضائل الأيام والشهور" لابن الجوزي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه.

وبعد: فهذا كتابٌ جديدٌ آخر من مؤلفات الإمام أبي الفرج ابن الجوزي، لم يُطبعْ من قبل، وهو مِنْ أوائل ما كُتِبَ في المواسم.

وهذه كلماتٌ بين يديه:

موضوعه:

هو كتابٌ في الوعظ والتذكير والإرشاد، بناه مؤلِّفُه على مجالس، تناولَ فيها مواسم العام، وبدأ مِنْ شهر رمضان، ثم تناول ذا الحجة، والمحرم، ورجب، وشعبان، ثم يوم الجمعة، وختمه بذكر عمل اليوم والليلة.

وقد ذكره سبطُه أبو المظفر يوسف وغيرُه ضمن كتبه الوعظية.

توثيق نسبته:

عزاه إليه كثيرون، منهم:

سبطه أبو المظفر يوسف في "مرآة الزمان"[1].

والذهبي في "تاريخ الإسلام"[2] و"سير أعلام النبلاء"[3].

والصفدي في "الوافي بالوفيات"[4].

وابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة"[5].

وابن الفرات في "تاريخه"[6].

والسيوطي في "أنشاب الكثب"[7].

وابن المبرد في "معجم الكتب"[8].

والعُليمي في "المنهج الأحمد"[9]، و"الدر المُنضد"[10].

والخوانساري في "روضات الجنات"[11].

والبغدادي في "هدية العارفين"[12].

عنوانه وحجمه:

اتفق كلُّ مَنْ ذكره على تسميته بـ "النور في فضائل الأيام والشهور"، واختصر الذهبي العنوان فسمّاه في "سير أعلام النبلاء" بـ "فضائل الأيام".

ووصفه الصفدي وابن رجب وابن المبرد بأنه مجلد.

وهذا الاسم سبقَ إليه أسعد بن أحمد بن أبي روح قاضي طرابلس المتوفى قبل سنة (520هـ)، فله: "النور في عبادة الأيام والشهور"[13]، وإذا كان الشيخ ابن الجوزي وقفَ عليه أو وقفَ على خبرهِ فلعله أراد أن يكون كتابُه بأسلوب آخر، ومادة أخرى.

الكتاب والأسانيد:

ألف الشيخُ ابن الجوزي كتابَه مسنداً، ويدلًّ على هذا قولُ ابن الرسام الحموي (ت: 844هـ) في غيرِ موضعٍ من كتابه "عقد الدرر واللآلي في فضائل الشهور والأيام والليالي": "روى ابنُ الجوزي في كتاب "النور" بسنده".

ولكن النسخ الثلاث التي وصلتْ إلينا منه محذوفة الأسانيد -إلا في مواضع يسيرة-، وعامة هذا مِنْ تصرّفِ النُّساخ، إلا مواضع كان الحذف فيها من المؤلف، فقد جاء في أثناء كلامه في النسخة (س): "وأختصرُ بعض الأسانيد تخفيفاً".

تاريخ التأليف:

لم أجد تاريخاً لتأليف الكتاب، ولكن يمكن القول: إنه كان قبل تأليف كتابه "الموضوعات من الأحاديث المرفوعات" الذي فرغ منه في ليلة الأربعاء (17) من ربيع الآخر سنة 572هـ كما جاء في آخره.

ذلك أنه أورد هنا –أعني في كتاب النور- عدداً من الأحاديث، ثم حكمَ عليها في كتابه "الموضوعات" بعدم الصحة.

وكذلك هو متقدمٌ على كتابه "التبصرة" إذ قال فيه عن أحاديث كان قد أوردها في "النور": إنها لا تصح.

وكان تأليف "التبصرة" بعد شهر ذي القعدة من سنة 575هـ لأنه ذكر فيه الخليفة الناصر لدين الله العباسي[14] الذي ولي الخلافة في هذا التاريخ.

أسلوب الشيخ:

يبدأ الشيخُ كل مجلس بديباجةٍ رائعةٍ فيها الحمد والثناء على الله تعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعاء، ثم يثني بموضوع المجلس، ويفتتح هذا بقوله: فصل.

وكذلك حين ينتقل من فقرة إلى أخرى.

ويأتي بأحاديث وآثار، ونتفٍ من التفسير، وبعضِ الأحكام الفقهية، ويستشهدُ بأشعار مرققة -ولكنه لا ينسبها- ومِنْ ذلك شعرٌ من وزن "كان وكان".

وقبل الختام يأتي بفقرٍ وعظيةٍ مسجوعةٍ مؤثرةٍ، ويختم بالدعاء.

ويستخدمُ أسلوبَ النداء للتحبيب فيقول: "إخواني"، و"عباد الله"، ونداء التنبيه بقوله: "يا هذا".

مصادره:

ذكرَ كتابَ "الزهد" لأحمد، والصحيحين، وابن شاهين ولم يصرح باسم كتابه، و"إرشاد الهداية" لشيخه ابن الزاغوني، وذكرَ من شيوخه كذلك ابنَ ناصر السلامي، وسعد الخير الأنصاري.

ونجدُ في (س) أيضًا ذكرَ "فضائل رجب" و"فضائل شعبان" لابن البنا، و"المجرد"، قال: روى شيخُنا في "المُجرَّد". ولم يصرحْ باسمه.

أثره:

لعل أول أثر هو لدى المؤلفِ نفسهِ، فقد أفاد منه في كتابه "التبصرة"، وغيره.

وقد نقل عنه مِنْ بعدُ عددٌ من المؤلِّفين، ومنهم:

• ابن الرسام في "عقد الدرر واللآلي في فضائل الشهور والأيام والليالي".

ويبدو أنه رجع إلى أصل النسخة (ن)، ففيه نصٌّ لا بد أنه مأخوذ مِنْ مجلسٍ لم يرد في النسخة (س)[15].

• ابن رجب في "لطائف المعارف". ولم يذكره.

• ابن الملقن في "البدر المنير"[16].

• صاحب "بحار الأنوار"[17].

إبرازات الكتاب:

وصل إلينا خمسُ نسخٍ تحمل هذا العنوان: "النور في فضائل الأيام والشهور"، وهي:

1- نسخة مجموعة نافذ باشا في مكتبة السليمانية في إسطنبول.

وفيها (22) مجلساً.

وسأرمز لها بـ (ن).

2- نسخة شستربيتي في إيرلندا، ورقمها (3383/ 2)، وليس فيها تاريخ نسخ.

وفيها (21) مجلساً.

وسأرمز لها بـ (س).

3- نسخة أحمد الثالث في طوبقبو سراي في إسطنبول، برقم (940)، وتقع في (99) ورقة، وتاريخها (1028هـ).

وفيها (20) مجلساً.

وسأرمز لها بـ (ط).

4- نسخة في مكتبة البلدية في الإسكندرية، برقم (49مواعظ)[18].

5- نسخة في مكتبة الدولة في برلين[19].

وظهر لي من النظر في هذه النسخ الخمس أنَّ نسختي "الإسكندرية" و"برلين" ليستا لكتاب "النور"، وإنْ كُتِبَ هذا العنوان على غلافيهما.

والصواب أنهما نسختان من كتابٍ آخر يُعزى إلى ابن الجوزي يُسمّى "سوق العروس" -وفي نسبته إلى ابن الجوزي شك-، ولهذا استبعدتُهما، واكتفيتُ من الحديث عنهما بهذه الإشارة، وللتفصيل موضعٌ آخر.

أما النسخ الثلاث الأولى فهي لكتاب "النور" حقاً، ويؤيد هذا المضمونُ، والنقلُ عن الكتاب، ولكن بين النسخ مغايرات جعلتني أستظهرُ أنَّ للكتاب عدة إبرازات، وظهرتْ هذه المغايرات في عدد المجالس، وفي مضمون بعض المجالس، وهذا الكتاب تتكررُ مناسبتُه كلَّ عام فمن الطبيعي جداً أن يَزيدَ فيه مؤلِّفُه وينقص، وإنْ حافظ على المحتوى بشكل عام.

والنسخة (س) أوسع النسخ، وإنْ خلتْ من "مجلس اليوم والليلة"، والنسخة (ط) أقربُ إليها مِنْ (ن)، ولكن حُذِف منها الكثير أيضاً.

أما (ن) فبينها وبينهما خلافٌ واضحٌ، وقد انفردتْ برباعيات جميلة مِنْ فن (كان وكان) في المجلسين الرابع والخامس، وانفردتْ بمجلسٍ عن عمل اليوم والليلة.

ولا بدَّ من القول أنَّ للنُّساخ تدخُّلاً ظاهراً في النُّسخ الثلاث.

النسخة المعتمدة:

بدا لي أن تحقيق الكتاب على منهج الجمع بين النسخ سيُربك الكتاب إرباكاً شديداً، ويُزعج القارئ، وموضوعُ الكتاب لا يسمحُ بذلك، لذا رأيتُ إخراج النسخة (ن)، مع النظر في (س) و(ط) لتدقيقها، واستدراكِ ما خُرِمَ منها.

ويمكن عند إخراج (س) إلحاقُها بما خلتْ منه مِنْ النسختين (ن) و(ط).

النسخة (ن):

هذه النسخة (نسخة نافذ باشا) هي برقم (329)، وتقع في (113) ورقة، منسوخة سنة (832هـ)[20]، وفيها (22) مجلساً (انظر عناوينها في الفهرس).

ومن المُؤسف أنها تعرضتْ لتفكُّك أوراقها، وجُمِعَتْ على غير تدقيق، فحصل خللٌ في تسلسلها، ومِنْ ذلك أن المجلس الثاني عشر جاء بعد المجلس التاسع، وحين أعدتُ ترتيبَها مُستهدياً بأرقامِ المجالس، وتسلسلِ المواسم، وبالتعقيبة، وبالعرض على النسختين الأخريين، ظهرَ لي أنَّ أوراقاً سقطت وضاعت في المجالس (9، 11، 12، 13، 22)، وقد أصاب خرمٌ عدداً من الصفحات.

ويتراءى لي أنَّ عالماً غير حنبلي كان قد أفاد من هذا الكتاب، وكتب نسخة منه لنفسه، وتصرّفَ في بعض المواضع[21]، وربما اختصرَ من الكلام، هو أو الناسخ، وقد يكون الكلام مختصراً أصلاً، ثم وسَّعه المؤلفُ في إبرازةٍ أخرى.

ثم جاء هذا الناسخ غير الماهر فنسخَ هذه النسخة، وقد وقعت له أخطاء، ومِنْ أغربها رفعُ المنصوب ونصبُ المرفوع!

ومن ذلك تصحيفات:

كتصحيف كتاب "الزهد" إلى "الزهري"!

وتصحيف: "يستحب" إلى: "يجب" (المجلس11).

ومِنْ أخطاء الناسخ جعلُه أحاديث مرفوعةً موقوفة، وموقوفةً مرفوعةً!

وثَمَّ في المجلس السابع اشتباهٌ شديدٌ بين الحسن بن علي والحسن البصري! ولا أدري كيف حصل هذا.

وفي المجلس الثامن حكاية غريبةٌ، وهي ليس في النسخة (س).

وينظر المجلس العاشر (عند ذكر الحديث المسلسل).

ومن ذلك أنه جعَلَ المجلسَ التاسعَ في فضل عشر ذي الحجة!، وحقيقتُه في وداع السنة.

وجعلَ المجلسَ العاشرَ في وداع السنة، وحقيقتُه في استقبال المحرم.

وجعَلَ المجلسَ الحادي عشر في فضل شهر الله المحرم، وحقيقته في فضل عاشوراء.

ويُلحظ أنَّ "المجلسَ الثامن" و"الحادي والعشرين" خليا من الديباجة.

وأنَّ "المجلسَ السادس" و"المجلس العشرين" خليا من الدعاء في آخرهما.

وأنَّ "المجلس السابع" خلا من الديباجة والدعاء.

ويُلحظ أيضاً أنَّه كتبَ في الأصل: "المجلس التاسع في فضل عيد النحر"، ثم حكَّه وكتبَ "الثامن". وكونُ التاسع في فضل عيد النحر هو الذي يوافق النسخة (س)، والثامن فيها مفرد لفضائل يوم عرفات، أما هنا في (ن) فقد أدمج فضل عرفة في فضل عشر ذي الحجة.

ويوجد حكٌّ في موضعين آخرين.

وكذلك جُعل هنا الكلام على فضل يوم الجمعة في مجلسين (هما20 و21)، وهما مجلسٌ واحدٌ في (س).

وقد يشهدُ كلُّ هذا لتصرُّفِ متصرِّفٍ غيرِ المؤلف.

والمجالس ليست متساوية في المقدار، ولا ندري هل هذا من المؤلِّف، أو من العالم المختصر، أو من الناسخ؟

ولا أدري كذلك مَنْ حذفَ الأسانيدَ، أهو ذلك العالم المختصر أو الناسخ؟

عملي في الكتاب:

• قمتُ أولاً بإعادة ترتيب النسخة المعتمدة (ن).

• ثم نسخها، وتفقيرها، وضبطها.

• ثم استدراك ما خُرِمَ منها من النسخة (س) -أو (س) و(ط) معاً- ما كان السياق متفقاً.

أما ما سقطَ منها فلم أستدركه كيلا أدخلَ في التلفيق بين النسخ، وترقيع النسخة بشيءٍ لستُ متأكدًا منه.

أمّا ما سقط من المجلس الثاني والعشرين (وهو في عمل اليوم والليلة) فلعدم وجود المجلس هذا في (س) أصلاً.

• صححتُ أخطاء الناسخ كلها، وذكرتُ الأخطاء في الحاشية، لبيان حال النسخة.

• خرجتُ الأحاديث والآثار، وأسفتُ جداً لحذف الأسانيد إذ كانت ستقودُنا إلى معرفة الكتب التي رجعَ إليها المؤلفُ في نصوص تلك الأحاديث والآثار، وقد حاولتُ قدر الإمكان البحثَ عن الأحاديث التي توافقُ الألفاظَ الواردةَ في نقله.

وإذا ذُكِرَ راوي الحديث من الصحابة اكتفيتُ بتخريجه من ذلك الوجه.

والتزمتُ الاختصار كيلا يشغل القارئ عن الأصل.

وفي الكتاب أحاديث موضوعة وشديدة الضعف، ومن المفيد أنْ أذكر هنا أنه عُرِضَ رأيٌ بحذفِ هذه الأحاديث (الموضوعة والشديدة الضعف)، وبيانِ هذا في مقدمة التحقيق، ولكني لم آخذْ به، ورأيتُ أنْ يخرجَ الكتاب كما هو في هذه النسخة، ورأيتُ أنَّ بيان حال هذه الأحاديث مِنْ كلام العلماء لا سيما كلام المؤلِّف نفسه يكفي، ويفيد فائدة زائدة هي معرفةُ حال تلك الأحاديث، ومعرفةُ تدرُّج ابن الجوزي في التأليف.

وقد حرصتُ على تعريف القارئ بالأحاديث التي لم ترد في النسخة (س)، لاحتمال أن تكون ممّا زيد عليها مِنْ أحدٍ غيرِ المؤلِّف.

• تتبعتُ ما ذكره مِنْ شعر، وحاولتُ عزوَه إلى قائله، فإنْ لم أعرفه سكتُّ، وقد أذكرُ مواضع ذكرهِ له في كتبه الأخرى.

• استدركتُ ما فيه حاجةٌ إلى استدراك، وعلقتُ حيث يجبُ التعليق.

وبعد:

فهذا عملي في هذه النسخة من هذا الكتاب، وسيتبعُه -إنْ شاء الله- إخراجُ النسخة الأخرى (س)، وبذلك تظهرُ الصورةُ الكاملةُ له.

ولعل الله يسهلُ لنا العثورَ على نسخةٍ مسندةٍ، فبذلك تتمُّ الفائدة، وقد بدأتُ بالعمل في هذا الكتاب وجمْعِ نُسخهِ منذ عام (1432هـ)[22]، وتريثتُ في نشره على هذا الأمل، ورأيتُ الآنَ أنْ أخرجَه، عسى أنْ يساعد نشرُهُ على تحقيق ذلك الأمل، ولينتفعَ به الناس، والنفعُ حاصلٌ به على كلِّ حال. والحمد لله رب العالمين.